علم المساحة
علم المساحة اسم يطلقه العرب على العلم المختص بالقياس وبالهندستين المستوية والفراغية، وهو بمعناه الواسع يشمل قياس كل ما يمكن أو يلزم قياسه، وبصفة خاصة الأطوال والمساحات والحجوم والأوزان والأعداد، ومن ثم فهو يختلف عن الجيوديسيا وهو علم دراسة شكل الأرض وقياس سطحها الذي تناوله المسلمون فى كتابات مستقلة .
والتعريفات التي وضعها المسلمون لعلم المساحة تتباين كثيرا، فمنها ما هو واسع مثل تعريف العُماوي: " قياس يعتمد على تقدير كمية مجهولة بمقارنتها بكمية معلومة بوحدات معينة". وإن كانت أغلب التعاريف تحصر معنى علم المساحة في قياس الأطوال والمساحات والحجوم. ونجد الرسائل المختصة بالهندسة تتوالى طوال الفترة التي قام فيها المسلمون بدور ناقلي الثقافة القديمة ( من بداية القرن الثالث الهجري / القرن التاسع الميلادي، إلى أفول نجم الرياضيات العربية في القرن السابع الميلادي / القرن السادس عشر الميلادي ). وكان الغرض من هذه الأعمال تزويد المعماريين والجنود والمساحيين بالوسائل المناسبة، والأرضية النظرية لأعمالهم. ويمكن تمييز ثلاث مجموعات من هذه الرسائل تبعا للأساليب التي تتبعها في المعالجة :
أ - رسائل شبيهة إلى حد كبير بما لدينا من قوانين رياضية. وهي مختصرة بقدر الإمكان، وتوضح طريقة الحساب دون تقديم أمثلة، ومن أمثلتها رسالة ابن البناء .
ب - رسائل تشتمل على أمثلة محلولة بالكامل .
جـ- رسائل تشتمل فقط على سلاسل من المسائل المحلولة بالكامل، وهي عبارة عن ضرب من كراسات التمارين .
وفيما يتعلق بطريقة العرض في تلك الأعمال لا يسعنا الحديث عن قوانين رياضية بالمعنى المعروف الآن، فلم تعرف صياغة قوانين الرياضة بهذا الأسلوب إلا في عصر متأخر وبين العرب المغاربة، بل ربما كان ذلك في مجال الجبر فقط. فقواعد حساب المساحات كانت تكتب بالكلمات بما في ذلك أحيانا الأشكال الواردة بالنص. وكانت الأعمال المختصة بعلم المساحة - وخصوصا الكبيرة منها - تشتمل على ما يلي :
أولا: مدخل الكتاب، ويشمل التعريف بالعلم وشرح الأشكال الهندسية وتصنيفها والتعريف بالوحدات المستخدمة في القياس.
ثانيا: قواعد الحساب للسطوح المساوية كالأشكال الرباعية ( المربع والمستطيل ومتوازى الأضلاع إلخ )، والمثلثات بأنواعها، وعديدات الأضلاع، والدائرة وأجزائها. وكذلك الأجسام الفراغية ( كالمنشور والأسطوانة )، والأجسام الهرمية والمخاريط ، والكرة. وغير ذلك من الأجسام المنتظمة وشبه المنتظمة .
ثالثا: أمثلة عملية، وهذه كانت بصفة عامة نادرة الورود في الأعمال الخاصة بالمساحة وكثيرا ما نجد تمارين على تقسيم الحقول مصاغة على نمط أعمال إقليدس وهيرو ، وتمارين على تقسيم الحقول الواقعة على المنحدرات، وعلى القمم والارتفاعات والأجسام المجوفة، وللحنبلي بعض التمارين الخاصة بالموضوع غير الميسور قياسها كقاع البئر وعرض النهر. ومن المسائل الأخرى المطروقة حساب مقدار الأحجار أو الطوب اللازم لبناء منزل أو سقف وتحديد ارتفاع حائط .
ومن هذه الأعمال ما يعد مرجعا شاملا كأعمال الحنبلي والركاشي و التبريزي في رسالته: القواعد في علم المساحة ، ومنها ما هو مختصر للغاية حتى أنه غالبا يتناول جوانب فقط من الموضوع. وطرق حساب الحجوم هي نفسها ما نجده عند الإغريق والمصريين، وفي حالات أخرى تكون طرق الحساب مستنبطة بطريقة استقرائية وتجريبية فللكرجي مثلا طريقة لحساب حجم الكرة استنبطها من مقارنة وزن مكعب من الشمع بوزن كرة منه صنعت من هذا المكعب، وقطرها مساو لطول ضلعه. ومن الجلي أن مثل هذه الطرق لابد أن تؤدي إلى نتائج تقريبية وقوانين قائمة على التقريب، وتلك هي طبيعة الهندسة العملية .
وسبب بقاء هذه القواعد ( العلمية ) طويلا أنها توفي بحاجات المستخدمين العمليين الذين كانوا بحاجة إلى قيم سهلة الحساب لا إلى دقة رياضية فائقة. ولأسباب مشابهة - وتمشيا مع الممارسات التقليدية - لم تكن كل الأعمال المختصة بالمساحة تقريبا تقدم أية براهين هندسية علمية على درجات دقة القوانين التي تستخدمها .