قال : وأنت أيهما تفضل، أن تتزوج فتاة تحبك، أم أنت تحبها؟
- ربما كلتاهما وربما لا أحد!
- كيف؟
- الحب من طبعه أن ينتقل. العواطف كلها تنعكس كالمرآة، نظرة ضجر واحدة تلقى بها رجلا أولا مرة تجعله يضجر منك كلما لقيك بعد ذلك ما لم يكن من أحدكما خطوة تزيل أثر الضجر، أو توضحه. وسيكون هذا الضجر حاجزا ليعرف كلاكما الآخر. إلى أن يأتي موقف من تلك المواقف التي يُعرف فيها الرجال، فإن كنت رجلا فسيمحو ذلك بالتأكيد أثر ضجرك، لكنه سيكون قد تأخر. فلا تلق أحدا أول مرة إلا مبتسما.
- عادة لا نختار الأوقات التي نلقى فيها الناس أول مرة.
- عليك إذا أن تجتهد لتكون رجلا على الدوام .. لئلا تضطر أن يطول الضجر الذي يخلفه لقاء كهذا.
- لكنك لم تجب؟
- كذلك الحب من مادته أنه ينتشر ما لم يعوقه شيء. هكذا أكون قد أجبت؟!
- ثم ..
- لا شيء .. الآن تكون كلتا الفتاتين، التي تحبها أو التي تحبك مناسبة بشرط أن لا تكون هناك عوائق تطيل الضجر وتؤخر الألفة.
- عوائق كأي شيء؟
- كثيرة هي هذه العوائق .. ربما أبسطها أن تكون فاقد الإحساس بالطبع
- إهانة ؟!!
- أبدا.. أقصد أن لا تحسن التلقي. هي مهارة على أي حال، وغالبا يفوت الناس أن يعلموها أبناءهم. ويفوتنا نحن التنبه إليها .. فنكون مرسلين أكثر الوقت، وكذلك الطرف الآخر .. ولا أحد يستقبل.
- والثاني؟
- أن تكون ممتلئا بالفعل، فالجديد هنا سينساب على جدران الإناء ... وسنحتاج إلى الكثير جدا ليبدأ أثره في الظهور، لأنه يخفف حين يختلط.
- والثالث؟
- لا تطل الأسئلة، تعود أن تعرف نفسك بنفسك لا أن يعرفك أحد عليها. ستعرفها بالتأكيد. هي لا تنتظر إلا أن تجرب ذلك.
- وحين تكون هي المحبة و العائق لدي؟
- معرفتك وحدها لا تفيد، إنها تجعل الخيار بيدك فقط. لكن ذلك لن يكون مفيدا على أي حال إلا إن كان ارتباطكما مقدرا بقوة أخرى .. لأنه لو كان الأمر لك فمهما فعلت فلن تفلح. النفس التي تتخذ الدفاع في اللحظة الأولى لا تلين بسهولة .. فإن كان ولابد فاجتهد أنت في إزالته، ستتعلم كيف تستقبل أو كيف تعجل خلط المائين حتى يبقى الجديد وتتعرفه بوضوح. وإياك أن تسكب القديم مرة واحدة، ستجف أنت وتتشقق، ثم تبقى الأرض لزجة لا يحسن أحد الاقتراب منها.
- وإن كانت الثانية؟ أنا من يحب والعائق معها؟
- لا أحد يستطيع أن يرغم أحدا على شيء كما أنه لا أحد يجلس في صندوق محكم .. دائما هناك منفذ للهواء. ابحث عنه!
- أبحث عن ثقب في صندوق !!
- نعم !
- كيف ؟
- يا شقي .. مرر يدك على جدرانه، ستحس الهواء الخارج منه .. مررها وأيقظ أرق حاسة فيها فقط وحاذر أن تسده بيدك .
- وحين أجده ؟ ماذا أفعل به؟
- تحاسب أنت على الطلبات حتى أخبرك .
- أفعل .
- وغدا أيضا .. حتى يصرفوا لنا حوافزنا المتأخرة .
- أوافق .
- لا شيء .. كن فقط قريبا منه .. تأنس وتؤنس .
- هذا جواب لا يستحق ثمن كأس فارغة .
- قل أنت إذا ماذا ستفعل؟!
- أنفخ فيه ..
- " فيكون طيرا بإذن الله!!" .. يلزمك أن تكون نبيا إذا .. أو تكون أنت شجرة .. ويكن زفيرك هواء نقيا يمنح حياة أصفى مما في الصندوق.
- فماذا أفعل إذا ..
- أخشى أن أفضل ما يمكنك فعله هو أن تجعل الثقب ناحية الشمس والهواء النقي وتظل ترعاه .. وتنتظر كما تنتظر الدجاجة فراخها في البيض. وحين يفقس البيض تكون أنت هناك .
- وإن لم يفقس البيض .
- لابد أن يفقس إلا إن كنت تجلس عند صندوق فارغ ، أو يكون ما فيه قد سكن .. وستعرف حين ينقطع الهواء .. وستكون سعيدا أنك كنت قريبا منه.