- مدعو أنا إلى لعبة الألوان من هدى. والألوان عطور العين، تعرف بأثرها، ولا نمسكها.
الدنيا بغير الألوان أهدأ. أقل ضجيجا .. وأرحب.
هذا ما يفعله الرمادي بالأشياء. تصمت فجأة لنحس روعة الصمت، ووحشة الوحدة.
الفيزيائون يسخرون منا، يقولون إنه لا وجود للألوان إلا في أذهاننا. وأن الضوء طاقة والطاقة لا لون لها. ثم يشرحون لنا أن الأشياء تعكس الضوء بأطوال مختلفة. ترصدها أعيننا بمستقبلات مختلفة.
وأذهاننا تتم خداعنا وتلون لنا العالم.
كمن يريد أن يثبت لنا أنه لا وجود للنار وأننا حين أجرب أن نمسكها .. سنكتشف أننا نمسك الهواء. وحين نخبره أننا احترقنا يشرح لنا أن الهواء اكتسب طاقة والنار لا وجود لها في الحقيقة.
النار أول الألوان. منها ولد الأحمر أطول الأمواج. والموجة التي تكبر عليه لا تراها العين احتراما له. الأحمر يوقظ النائم ويحمل الخطر. الأحمر سر الحياة وذروة الحب. الأحمر لا ينبغي أن يأتي مجردا..
برّده بالأزرق يعشب ويخضرّ.
أو هدّئه بالأصفر يبتهج ويرقص إذ يغشاه انكسار البرتقالي المرح.
أو هبه كثيفا يعتريه الظلام. قرمزيا يجمع شتات نفسك المترامية ، وقلب حبيب ساه. يفصلك ويفصله عن كل لون وكل صوت وكل حياة. فتدب الحياة مركبة كثيفة في نفسك وفيه.
دفّئ به بردك وهذب وحدتك.
وحين يقصر الأحمر يولد الأصفر.
المجرد منه فيه رعشة لذيذة. ليست كرعشة البرد الأزرق .. إنما رعشة كرعشة الليمون تنعش وتبهج وتضحك.
والأزرق القصير المدلل. عقم بعده الضوء فلم يُر، وعز قبله فكان لون الحياة البريئة المجردة. الأخضر أكبر منه ويسبقه. يطيعه ولا يعصي الأحمر.كواسط الإخوة جمع العقل والتجربة والنسيان.
الأزرق يكون هادئا وكثيفا، صافيا ومركبا. عذبا أو بكدر. هو حيث حلّ باردٌ آمنٌ قوي. في السماء سعة، وفي البحر قوة، وفي الجدران التئام شملٍ، وفي الثياب وقار.
وهو في العينين سعة وقوة والتئام وغزل.
الأسود السيد، قائم في غيابهم وحين يحضرون متزاحمين. فخم فاخر، متوحد تعلو به الألوان وتسفل. تفتح وتغلق، تقوى وتضعف، تقدم وتحجم، وهو هو عال قوي.
الأبيض .. حانٍ .. مغوٍ .. برئ. لا يحمل إثم غوايته لأنه لا يعيها. هي أصل اكتماله، هي سحره. لولا الغواية فيه ما امتد إليه طرف. والذين عرفوا فيه هذا جعلوه لون البداية.
والبداية .. محض غواية.
وهو المصلح ما يفسده السيد .. يضعف ما قواه ويفتح ما أغلقه .. وزيره الذي يصله برعيته ويصالحهم عليه.
الذهبي .. غريب بين الألوان لا يعرفه منهم أحد. وحيد في جنسه يصطفيه السيد وحده مالك سره